الشراكة بين القطاع العام و الخاص في مجال العقارات

تُعد الشراكة بين القطاعين العام و الخاص من أهم الآليات القانونية و الاقتصادية التي تهدف إلى تمكين الدولة من تنفيذ مشروعات البنية الأساسية و الخدمات العامة بكفاءة أعلى و عبء مالي أقل على الموازنة العامة.
ففي ظل التطورات الاقتصادية المتسارعة، و تزايد احتياجات المجتمع للخدمات العامة، بات من الضروري البحث عن أنماط تعاقدية جديدة تتيح الاستفادة من إمكانيات القطاع الخاص في التمويل و الإدارة و التشغيل، دون المساس بدور الدولة في الإشراف و الرقابة و تحقيق المصلحة العامة.
و قد تبنّت مصر هذا النهج من خلال إصدار القانون رقم 67 لسنة 2010 بشأن تنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية و الخدمات و المرافق العامة، و هو القانون الذي وضع الإطار التشريعي و المؤسسي الأول لتنظيم عقود الشراكة، محددًا نطاقها، و إجراءات طرحها، و ضوابط التعاقد بشأنها، و الجهات المختصة بتنفيذها و متابعتها.
لم يكن نظام الشراكة بين القطاعين العام و الخاص معروفًا في النظام القانوني المصري قبل عام 2010، إذ كانت الدولة تعتمد على أنماط تقليدية في تنفيذ المشروعات العامة، كالتعاقدات الإدارية المباشرة، أو عقود الالتزام، أو عقود الأشغال العامة.
و مع تزايد الحاجة إلى تطوير المرافق العامة، ظهرت الحاجة إلى إطار قانوني حديث يتجاوز قصور هذه النظم التقليدية، و يتيح مشاركة القطاع الخاص في مراحل التمويل و التشييد و التشغيل و الصيانة.
و من هنا صدر القانون رقم 67 لسنة 2010 و لائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 238 لسنة 2011، ليؤسس لنظام تعاقدي جديد يتسم بالمرونة، و يستجيب لمتطلبات التنمية الاقتصادية.
و يُلاحظ أن المشرّع المصري حرص في هذا القانون على وضع تعريف دقيق لمفهوم الشراكة و يقصد بنظام المشاركة بين القطاع العام و القطاع الخاص كل عقد يُبرم بين جهة من الجهات الإدارية و أحد الأشخاص الاعتبارية الخاصة، يهدف إلى قيام الأخير بتمويل و تصميم و إنشاء و تشغيل و صيانة مشروع من مشروعات البنية الأساسية أو المرافق العامة لمدة محددة، على أن تؤول ملكية المشروع إلى الدولة في نهاية مدة التعاقد.
الإطار القانوني المنظم للشراكة بين القطاع العام و الخاص
حدد قانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البينة التحتية رقم 67 لسنة 2010 “قانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص” نطاق تطبيقه في المادة (2)، حيث نصت على انه “للجهات الإدارية أن تبرم عقود مشاركة تعهد بمقتضاها إلى شركة المشروع تمويل و إنشاء و تجهيز مشروعات البنية الأساسية و المرافق العامة و إتاحة خدماتها أو تمويل و تطوير هذه المرافق، مع الالتزام بصيانة ما يتم إنشاؤه أو تطويره، و تقديم الخدمات و التسهيلات اللازمة لكي يصبح المشروع صالحًا للاستخدام في الإنتاج أو تقديم الخدمة بانتظام و اضطراد طوال فترة التعاقد.”
و يشمل ذلك، بطبيعة الحال، المشروعات العقارية ذات الصلة بالمرافق العامة، مثل:
- مشروعات الإسكان المتوسط و الاجتماعي.
- تطوير المناطق غير المخططة و العشوائية.
- مشروعات المدن الجديدة و البنية التحتية العقارية (مياه – صرف – كهرباء – طرق).
كما حددت المادة رقم 2 من قانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص الإطار الزمني لعقود المشاركة و القيمة المالية للعقد حيث نصت على انه “و لا يجوز أن تقل مدة العقد عن خمس سنوات و لا تزيد على ثلاثين سنة من تاريخ اكتمال أعمال البناء و التجهيز أو إتمام أعمال التطوير، و ألا تقل قيمة العقد الإجمالية عن مائة مليون جنيه”. و استثناءا من المدة الزمنية للعقد المنصوص عليها، أجاز القانون الموافقة على إبرام عقد مشاركة لمدة تزيد على ثلاثين (30) سنة إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة و جوهرية، و ذلك بناء على توصية اللجنة العليا لشئون المشاركة التي تشكل بقرار من رئيس الوزراء.
الجهات المنظمة لنظام الشراكة
نصت المادة رقم 16 من قانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص على انه “تُنشأ بوزارة المالية وحدة ذات طابع خاص تسمى (الوحدة المركزية للمشاركة)، يصدر بتشكيلها و تعيين رئيسها، قرار من الوزير المختص بالشئون المالية، و تحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون علاقاتها بأجهزة الدولة، و هيكلها الإداري و المالي، و نظم العمل و العاملين بها و أجورهم دون التقيد بالنظم الحكومية المعمول بها.”
“و تختص الوحدة المركزية للمشاركة بتقديم الخبرة الفنية و المالية و القانونية للجنة العليا لشئون المشاركة، و لوحدات المشاركة بالجهات الإدارية، كما تختص برسم و متابعة إجراءات طرح و إبرام عقود المشاركة و تنفيذها، و إعداد و نشر الدراسات و المعلومات و الإحصاءات الخاصة بمشروعات المشاركة على المستويين المحلي و الدولي، و تختص الوحدة المركزية للمشاركة باختيار مستشاري الطرح لمشروعات المشاركة و التعاقد معهم طبقًا للقواعد و الإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.”
صور الشراكة بين القطاع العام و الخاص في مجال العقارات
التطوير المشترك: من خلاله الدولة تتيح أرضًا أو حقوقًا على أرض مقابل تطويرها أو تقديم وحدات سكنية/خدمية، مع مشاركة بالعائد أو تخصيص وحدات لخدمة أهداف عامة. يحتاج العقد هنا لتحديد آليات التسليم، معايير الجودة، آليات توزيع الإيراد، و الضمانات.
نظام البناء و التشغيل ثم نقل الملكية: حيث يتولى القطاع الخاص إنشاء المشروع و تشغيله لفترة محددة ثم إعادته للجهة الإدارية.
التخصيص للاستثمار: و هو منح حق استخدام/تطوير لمدة محددة، مع شروط رد الأرض أو العقار، و التعويض عن الإهمال أو الفشل في التنفيذ.
الية الطرح و التعاقد
طبقاً للمادة رقم 20 من قانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص “يكون التعاقد على المشروعات التي تنفذ بنظام المشاركة مع القطاع الخاص المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون بطريق المناقصة أو المزايدة العامة، وفقا للقواعد و الإجراءات الواردة بهذا القانون، و لائحته التنفيذية”
و يجوز استثناء أن يتم التعاقد عليها بأحد الطرق التالية، بعد موافقة اللجنة العليا لشئون المشاركة، بناء على طلب من السلطة المختصة و بتوصية من الوحدة المركزية للمشاركة، و ذلك في الأحوال المبينة قرين كل منها:
1. المناقصة أو المزايدة المحدودة:
إذا كانت طبيعة المشروع تستلزم كفاءة فنية و ملاءة مالية لا تتوافر إلا في أشخاص بعينهم.
2. التعاقد المباشر:
- إذا كانت حاجة الدولة إلى المشروع لا تحتمل اتباع طريق المناقصة، أو المزايدة العامة أو المحدودة، و كانت هناك مصلحة اقتصادية أو ضرورة اجتماعية حالة تقتضي سرعة تنفيذه.
- إذا انتهت أي من شركات المشروع المتعاقد معها على تنفيذ مشروع بنظام المشاركة مع القطاع الخاص على نحو كفء، و قدرت اللجنة العليا لشئون المشاركة في ضوء الظروف الاقتصادية و الاجتماعية للدولة، و الطبيعة الخاصة بالمشروع، و بناء على توصية من الوحدة المركزية للمشاركة
3. التعاقد على مشروع مقدم بمبادرة من القطاع الخاص:
إذا كان المشروع مبتكرا و مكتمل الدراسات و التمويل، و يحقق للدولة مصلحة اقتصادية أو اجتماعية، و لم يكن مخططا له من قبل الجهة الإدارية وقت تقديمه إليها.
الاحكام الموضوعية لعقود الشركة بين القطاع العام و القطاع الخاص
حددت المادة 34 من قانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص الاحكام و البنود التي يجب توافرها في عقد الشراكة بوجه خاص و هي:
- طبيعة و نطاق الأعمال و الخدمات التي يجب على شركة المشروع أداؤها و شروط تنفيذها.
- ملكية أموال و أصول المشروع و التزامات الأطراف المتعلقة بتسليم و استلام موقع المشروع، و أحكام نقل الملكية في نهاية المشروع.
- مسئولية الحصول على التراخيص و التصاريح و الموافقات.
- الالتزامات المالية المتبادلة و علاقتها بطريقة التمويل.
- سعر بيع المنتج أو مقابل أداء الخدمة التي يقوم عليها المشروع و أسس و قواعد تحديدهما، و أسس و قواعد تعديلهما بالزيادة أو النقصان، و كيفية معالجة معدلات التضخم، و ما يرتبط بتغيير أسعار الفائدة، إن كان لذلك مقتض.
- وسائل ضمان الجودة و أدوات الرقابة و الإشراف و المتابعة المالية و الإدارية و الفنية لتشغيل المشروع و استغلاله و صيانته.
- تنظيم حق الجهة الإدارية في تعديل شروط البناء و التجهيز و الصيانة و التشغيل و الاستغلال و غير ذلك من التزامات شركة المشروع، و أسس و آليات التعويض عن هذا التعديل.
- أنواع و مبالغ التأمين على المشروع، و مخاطر تشغيله أو استغلاله، و ضمانات التنفيذ الصادرة لصالح الجهة الإدارية، و أحكام و إجراءات استردادها.
- تحديد أسس توزيع المخاطر المرتبطة بتعديل القوانين أو بالحادث المفاجئ أو بالقوة القاهرة أو باكتشاف الآثار و التعويضات المقررة، بحسب الأحوال.
- مدة العقد، و حالات الإنهاء المبكر أو الجزئي و حقوق الأطراف المرتبطة.
- الحالات التي يحق فيها للجهة الإدارية الإنهاء المنفرد للعقد، و الالتزامات المالية المترتبة على استخدام هذا الحق.
- تنظيم قواعد استرداد المشروع عند نهاية مدة التعاقد أو في حالات الإنهاء المنفرد أو الإنهاء المبكر أو الجزئي.
في ضوء ما سبق، يتضح أن القانون رقم 67 لسنة 2010 قد أسّس لإطار قانوني متكامل لتنظيم الشراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص، بما يتيح للدولة الاستفادة من إمكانات و خبرات القطاع الخاص في تنفيذ و تمويل و تشغيل مشروعات البنية الأساسية و المرافق العامة، و هو ما يشمل بطبيعته المشروعات العقارية ذات الطابع الخدمي أو التنموي.
و يُعد هذا القانون خطوة متقدمة في تطوير البيئة التشريعية المصرية، إذ مكّن الدولة من الانتقال من دور المموِّل و المنفِّذ الوحيد إلى دور المنظِّم و المشارك، بما يتناسب مع متطلبات التنمية العمرانية الحديثة، لا سيما في المشروعات العقارية الكبرى التي تحتاج إلى تمويل ضخم و تكنولوجيا متطورة و إدارة فعّالة.

