التحكيم الحر

التحكيم هو طريق من طرق حل النزاعات، حيث يتفق الأطراف على تسوية النزاعات، التي تنشأ عن اتفاق أو عِلاقة تجارية بينهم، دون اللجوء إلى القضاء، و ذلك عن طريق تعيين شخص محايد يطلق عليه المحكِّم لنظر قضيتهم و إصدار قرار مُلزم لكل الأطراف.
تختلف آلية التحكيم عن إجراءات المحاكم، حيث يتم اختيار المحكِّم (المحكِّمين) و القانون المطبق من قِبل الأطراف، وتكون الإجراءات في الغالب أقصر مدة.
و تهدف إجراءات التحكيم إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الدِّقَّة و الكفاءة، و إصدار قرار نهائي و مُلزم و قابل للتنفيذ. و نتيجة لذلك، فإن الهدف الرئيسي وراء اللجوء إلى التحكيم هو تفادي الإجراءات القضائية المطولة.
و من أجل الشفافية، يلجأ الأطراف إلى لتحكيم عادةً في النزاعات التجارية و خاصة فالمعاملات التجارية الدولية و النزاعات المتعلقة بالاستثمار الأجنبي.
و هناك نوعين للتحكيم، التحكيم الحر و التحكيم المؤسسي. في هذا المقال، سوف نركز بشكل أساسي على التحكيم الحر.
اختلاف التحكيم الحر عن التحكيم المؤسسي
يكون التحكيم حراً، من ناحية، عندما لا يقوم الأطراف بتعيين أو اختيار مؤسسة تحكيمية لإدارة و تسيير قضيتهم التحكيمية. الأمر الذي يمنح الأطراف الحرية في اختيار إجراءات التحكيم بشكل مستقل، دون مشاركة المؤسسة التحكيمية في هذا الاختيار.
مما يمنح الأطراف المزيد من المرونة و الحرية و لكن أقل دعم. و مع ذلك، يمكن تسهيل و تحسين سير التحكيم الحر عن طريق تعيين مؤسسة تحكيمية لإدارة هذه الإجراءات التي يتفق الأطراف عليها.
و من ناحية أخرى، التحكيم المؤسسي هو التحكيم الذي تتدخل فيه مؤسسة متخصصة و تتولى دور إدارة عملية التحكيم بشكل كامل، و ذلك باستخدام مجموعة القواعد القانونية الخاصة بالمؤسسة، و التي توفر إطاراً شاملاً لعملية التحكيم، و تملك كل مؤسسة إدارة خاصة بها تقوم بتنظيم القضايا التحكيمية المُقدمة أمام المؤسسة.
الاتفاق على التحكيم الحر
يمكن للأطراف الاتفاق على اللجوء للتحكيم الحر لتسوية نزاعاتهم خلال مدّة إبرام العقد أو بعد نشوء النزاع. و يمكن أن يتخذ هذا الاتفاق ثلاثة أشكال:
الشكل الأول:
هو الأكثر بساطة، و لكن الأكثر عرضه لنشوء خلافات بين الأطراف، و هو أن يتفق الأطراف على تسوية النزاعات التي تنشأ بينهم عن طريق التحكيم الحر و دون تحديد مؤسسة تحكيمية لإدارة عملية التحكيم.
الشكل الثاني:
فيمكن للأطراف التفاوض مع بعضهم البعض لإعداد اتفاق مُفصّل للجوء للتحكيم، حيث يتضمن هذا الاتفاق بلد التحكيم، القانون الواجب التطبيق، عدد المحكمين و طريقة تعيينهم، كيفية تقديم المستندات و إفادات الشهود و مذكرات الدفاع، و مدى إلزامية حكم التحكيم على الأطراف، و التنازل عن الحصانة السياسية للعقود التي تشترك فيها الدول، و أخيراً، كل ما يتعلق بتكاليف التحكيم.
الشكل الثالث:
و هو الأكثر كفاءة، يمكن للأطراف الاتفاق على إجراء التحكيم الحر وفقاً لمجموعة ثابتة من القواعد المتخصصة في هذا النوع من التحكيم، على سبيل المثال، قواعد الأونسيترال للتحكيم، أو وفقاً للإجراءات القانونية المنصوص عليها في قوانين التحكيم، مثل قانون التحكيم المصري.
مزايا التحكيم الحر
للتحكيم الحر العديد من العوامل التي تجعل تجذب الأطراف للجوء له، و منها:
1- المرونة:
أول مِيزة و التي تعد الأهم، هي المرونة، حيث يمكن للطرفين اختيار القواعد الإجرائية التي سوف تحكم القضية التحكيمية و التي تناسب احتياجاتهم الخاصة و وقائع نزاعهم.
2- تجنب الرسوم الإدارية:
ثانياً، يسمح التحكيم الحر للأطراف تجنب الرسوم الإدارية التي تتقاضاها المؤسسة التحكيمية للإشراف على الإجراءات في حالة التحكيم المؤسسي. و بعبارة أخرى، ينبغي أن يكون التحكيم أكثر فعالية من حيث التكلفة و أكثر ملاءمة للاحتياجات الفردية للأطراف.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للأطراف التفاوض مباشرة مع المحكمين فيما يتعلق بأتعابهم، في حين أن هذه الأتعاب يتم تعيينها من قِبل المؤسسة في التحكيم المؤسسي دون أي تدخل من قِبل الأطراف.
3- احتياجات المستخدمين التجاريين للتحكيم:
ثالثاً، تُفضل الدول و الكيانات المملوكة للدولة التحكيم الحر و ذلك لأن المؤسسات التحكيمية تركز على احتياجات المستخدمين التجاريين للتحكيم.
و بالإضافة إلى ذلك، و لأنه من المرجح أن تنشأ مسائل تتعلق بالسياسة العامة و السيادة في القضايا التحكيمية التي تكون الدولة طرفاً فيها و بالتالي يمكن حل هذه المسائل بسهولة من خلال الاتفاق على إجراء يأخذ في الاعتبار الوضع و المتطلبات الخاصة بالدولة.
4- تنظيم و إدارة التحكيم:
رابعاً، يمنح التحكيم الحر المحكمين المزيد من المسؤولية لتنظيم و إدارة التحكيم بأنفسهم، وهو دور تديره المؤسسة التحكيمية و تتقاضي رسوم مالية عليه.
عيوب التحكيم الحر
و تجدر بنا الإشارة بإن اختيار الابتعاد عن قواعد التحكيم المؤسسي من الممكن أن يكون مفيدا لبعض الأطراف، ومع ذلك، فإنه ينطوي أيضا على العديد من المخاطر، على سبيل المثال:
أولاً:
عند التفاوض و صياغة اتفاقية التحكيم الحر، من الممكن ألا يأخذ الأطراف في الاعتبار حساب جميع الاحتمالات و المسائل التي من الممكن أن تنشأ خلال إجراءات التحكيم مستقبلا. و قد يكون اتفاق الطرفين على هذا الإجراء قد يكون مبهماً أو معيباً.
في حين أن المشاكل المتعلقة بالاتفاقية يمكن معالجتها من قبل هيئة التحكيم بمجرد تشكيلها، و حتى تعيين هيئة التحكيم قد يلاقي اعتراضات إذا كان اتفاق التحكيم الحر معيبا.
ثانياً:
تعتمد الفاعلية الكاملة لنظام التحكيم الحر على التعاون بين الأطراف و ممثليهم القانونين (المحامين)، و غالباً ما يظهر ذلك في بداية التحكيم، حيث يمكن تأخير الإجراءات.
فعلى سبيل المثال، إذا رفض أحد الطرفين تعيين محكم، مما يجبر الطرف الآخر على الاعتماد على القانون و ربما على محاكم مقر التحكيم لتشكيل هيئة التحكيم.
علاوة على ذلك، يمكن أيضا تأخير الإجراءات فيما يتعلق بالقرارات الإجرائية، كما يحدث في مرحلة تقديم الأدلة.
ثالثاً:
قد ينشأ نزاع بين الأطراف، أو بين الأطراف و هيئة التحكيم فيما يتعلق بأتعاب و تكاليف المحكمين.
رابعاً:
قد تكون أحكام التحكيم منتقصة إلى بعض من المصداقية إذا لم تكن صادرة من مؤسسة تحكيمية، و هذا له أهمية خاصة إذا كان سيتم السعي إلى إنفاذها دَوْليّ من خلال محاكم اجنبية.
خامساً:
بعض التشريعات لا تعترف بالتحكيم الحر كشكل مقنن لتسوية المنازعات. و على وجه الخصوص، في الصين لا يعتبر التحكيم صحيحاً ما لم تتم إدارته بواسطة “مؤسسة تحكيمية”.