كيفية تنفيذ الحكم الصادر من هيئة التحكيم

يعتبر التحكيم هو الوسيلة المناسبة و الأكثر ملائمة لحل و تسوية منازعات التجارة الدولية إذ يتمتع الأطراف في نظام التحكيم بسلطات واسعة في تنظيم خصومة التحكيم و كيفية سير العملية التحكيمية و القواعد المنظمة لها و حتى صدور الحكم المنهي للنزاع و تنفيذ حكم هيئة التحكيم و تحديد شكل هيئة التحكيم و عدد أعضاء هذه الهيئة و الحرية في اختيار شخصية المحكم و المواصفات التي ينبغي ان تتوافر لديه.
وفي تحديد المدة التي يجب أن يصدر فيها الحكم النهائي للنزاع، و لا شك أن هذه السلطات لا وجود لها في الخصومة القضائية و التي تتميز بتنظيم إجباري لا يملك الأطراف أي حرية في الاتفاق علي ما يخالفه.
إلا انه و رغم تمتع الأطراف في خصومة التحكيم بحرية واسعة في تحديد القواعد القانونية التي تطبق علي إجراءات الخصومة و علي موضوع النزاع و رغم تميز حكم التحكيم (التحكيم الأجنبي) في معظم دول العالم بأنه حكم نهائي و ملزم و قابل للتنفيذ الجبري بعد استيفاء الشروط الإجرائية التي يتطلبها القانون إلا أن هناك بعض الضوابط التي يتعين على المحتكمين دائماً داخل جمهورية مصر العربية اتباعها لتنفيذ حكم هيئة التحكيم.
حيث نظم المشرع المصري تنفيذ حكم التحكيم في قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 و الذي نص على أنه إذا كان التحكيم يخضع لأحكام قانون التحكيم المصري فإنه يكفي للتنفيذ استصدار أمر بتنفيذ حكم تحكيم من رئيس المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع و تختلف هذه المحكمة وفقاً لنوع التحكيم، فإذا كان التحكيم لا يتمتع بصفة التحكيم التجاري الدولي، ينعقد الاختصاص لرئيس المحكمة المختصة أصلا بنظر الدعوى أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً ينعقد الاختصاص للمحكمة المنصوص عليها في المادة 9 من قانون التحكيم سالف الإشارة إليه سابقاً.
و يلاحظ أنه ليس للقاضي المصري المختص حسب ما تم شرحه أن يحكم بتعديل الحكم أو ببطلان حكم التحكيم كما أنه لا مجال أمامه للحكم بوقف التنفيذ حتى يفصل في الطعن المقدم علي الحكم في محكمة أخري الطعن علي احكام التحكيم). و هذا الحكم غير قابل للطعن عليه بالوسائل العادية او غير العادية للطعن علي الأحكام (الطعن علي احكام التحكيم) و يجوز فقط إقامة دعوي بطلان لهذا الحكم أمام محكمة الاستئناف العالي أو محكمة الدرجة الثانية حسب طبيعة و نوعية النزاع.
و البين من هذا النص أن المشرع أضفي حجية الأمر المقضي علي حكم المحكم و بهذا يكون لهذه الأحكام ذات الحجية الموجودة للأحكام القضائية كما أنها تتمتع بإمكانية تنفيذ حكم هيئة التحكيم بالقوة الجبرية.
يفرض المشرع علي هيئة التحكيم أن تسلم إلي كل من الطرفين صورة من حكم التحكيم موقعة من المحكمين الذين وافقوا عليه خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره.
و يتعين علي من صدر لصالحة حكم التحكيم أن يستوفي مجموعة من إجراءات التحكيم المحددة حتي يتمكن من القيام بتنفيذ حكم التحكيم جبرياً بمساعدة رجال السلطة العامة.
وهذه الإجراءات هي:
أولاً: إيداع الحكم قلم كتاب المحكمة المختصة.
ثانياً: انقضاء ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم.
ثالثاً: استصدار الأمر بتنفيذ الحكم من رئيس المحكمة المختصة.
و يجب علي من صدر حكم التحكيم لصالحة إيداع أصل الحكم أو صورة منه باللغة التي صدر بها أو ترجمة باللغة العربية مصدقاً عليها من جهة معتمدة إذا كان صادراً بلغة أجنبية و ذلك في قلم كتاب المحكمة المختصة. و يحرر كاتب المحكمة محضراً بهذا الإيداع و يجوز لكل من طرفي التحكيم طلب الحصول علي صورة من هذا المحضر.
لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضي – تسعون يوماً من تاريخ إعلان المحكوم ضده بالحكم.
و فيما يتعلق بإجراءات استصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، فإن المادة 56 من قانون التحكيم المصري لا تشترط لذلك ضرورة انقضاء ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم و من ثم يمكن الحصول علي هذا الأمر فور إصدار حكم التحكيم. (و مع ذلك فإن طلب تنفيذ حكم التحكيم لا يقبل إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضي و هو تسعون يوماً من تاريخ حكم التحكيم للمحكوم عليه).
و هذا لأن المشرع المصري نظم المسألة علي نحو يتميز بمراعاة المرونة و السرعة في تنفيذ حكم التحكيم من الموازنة بين مصلحة الطرفين بقدر الإمكان على النحو التالي:
1- فإذا كان عدم انقضاء ميعاد رفع دعوى البطلان، يترتب عليه عدم قبول طلب تنفيذ الحكم، فإن رفع دعوى البطلان لا يترتب عليه منع طلب تنفيذ الحكم و مرجع ذلك أن المحكمة تملك سلطة الموازنة بين مصلحة الطرفين.
2- فالأصل انه يمكن للمحكوم له أن يطلب تنفيذ الحكم بالرغم من رفع دعوى البطلان. و لا يترتب علي رفع دعوى البطلان وقف تنفيذ حكم التحكيم بقوة القانون و مع ذلك يمكن للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذ حكم التحكيم ولكن بقيود معينة و هي:
- أن يطلب المدعي ذلك في صحيفة الدعوى.
- أن يكون طلب وقف التنفيذ مبنيا علي أسباب جدية.
ويلاحظ ما يأتي:
أ- علي المحكمة أن تفصل في طلب وقف التنفيذ خلال ستين يوماً من تاريخ أول جلسة محددة لنظره.
ب- و يجوز للمحكمة إذا أمرت بوقف التنفيذ أن تأمر المدعي بتقديم كفالة أو ضمان مالي.
جـ- و يتعين علي المحكمة إذا أمرت بوقف تنفيذ الحكم أن تفصل في دعوى البطلان خلال ستة أشهر من تاريخ صدور هذا الأمر.
د- و يلاحظ انه إذا تم رفع دعوى البطلان و وافقت المحكمة علي طلب وقف التنفيذ، فلا يمكن طلب تنفيذ الحكم إلا بعد الفصل في دعوى البطلان بالرفض.
و بالنسبة لكيفية الطعن (الطعن علي احكام التحكيم) على الأمر بوقف التنفيذ:
- فإنه يجوز لطالب التنفيذ التظلم من أمر رفض التنفيذ الصادر عن القاضي المصري الذي ينظر دعوى بطلان حكم التحكيم بعد تقديم المحكوم ضده عريضة دعواه متضمنة الطلب بوقف التنفيذ إلي محكمة استئناف القاهرة أو أية محكمة استئناف مصرية أخري يتفق عليها الطرفان خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إصدار الأمر برفض التنفيذ وفقا للمادة سالفة الذكر.
- و بالتالي فإن جهة الاختصاص بنظر التظلم هي محكمة الاستئناف المصرية التي يتبعها قاضي التنفيذ الذي أصدر أمراً برفض التنفيذ و ستكون في الواقع هي المحكمة التي اتفق عليها الطرفان. و فتح باب التظلم إنما هو أمر منطقي حتى يستطيع طالب التنفيذ أن يثبت عدم وجود ما يبرز رفض التنفيذ.
- و فيما يتعلق بكيفية فصل محكمة الاستئناف في تظلم طالب التنفيذ من أمر رفض التنفيذ، فإن قانون التحكيم المصري لم يقرر هل تنظر المحكمة في التظلم بمثل ما نظر قاضي التنفيذ من قبل أي خارجية بناء علي الوثائق و المستندات فقط أم يجب عليها أن تنظر في التظلم بنظام الدعوى الحضورية في مواجهة الأطراف.
- و بالتالي فإن المشرع المصري بذل جل ما يمكن عمله لضمان إلزامية الأحكام المنبثقة من اتفاق التحكيم على أطرافة و سواء كان السند التحكيمي هو عقد يتضمن شرط اللجوء للتحكيم أو من خلال مشارطة التحكيم الموقعة بين الأطراف و ضمان تنفيذ تلك الأحكام على النحو المتبع قانوناً ضمن آليات التنفيذ القضائي.